summer film magazine

لست من دراويش السينما التي يغلب عليها الحوار، إلا أن حالات استثنائية تجعل من الحوار متعة، وهو ما تحقق بنسبة كبيرة في فيلم “6 أيام عملت إيه فينا السنين”، للكاتب وائل حمدي والمخرج كريم شعبان، ويقوم ببطولته أحمد مالك وآية سماحة، وفي الخلفية أغنية وردة العظيمة ” العيون السود” كلمات محمد حمزة وألحان بليغ حمدي، فيلم رومانسي بسيط استطاع أن يمس مشاعر مشاهديه، شكلت رحلة البطلين يوسف وعالية أحلام المراهقة وتطورات شخصياتهم، تأثرهم بالأحداث المعاصرة صعودا وهبوطا، عواقب اختياراتهم وعدم وضوح الرؤية أمامهما وصولا لمرحلة النضج.

قدم كريم شعبان تجربة إخراجية اعتمدت على الواقعية إلى حد كبير وهو ما نفتقده في الكثير من الأعمال الفنية، حيث ركّز على التفاصيل الصغيرة التي تجعل القصة أكثر قربًا من المشاهد، كالأماكن التي يتردد عليه بطليه، وسلوكياتهما التي حفرت في ذاكرتهما وأعادوها مرارا باستمتاع على مدار العشرين عاما، اقتسامهما عبوة العصير والمشي ساعات والدردشة في أدق التفاصيل، مما جعل المشاهد يشعر وكأنه جزء من الأحداث، يعيش لحظات يوسف وعالية وكأنها تجربة شخصية.

وقد أعطى المخرج مساحة كبيرة لأحمد مالك وآية سماحة ثقة في وصولهم لتقديم أداء طبيعي، لم يلجأ إلى المبالغة في المشاهد الدرامية، بل اعتمد على نظرات الممثلين وتعابير وجوههم، مما جعل المشاعر تبدو حقيقية وغير مصطنعة، كما اعتمد على اللقطات القريبة (Close-ups) بشكل متكرر لإبراز المشاعر والانفعالات، مما ساعد في خلق إحساس عميق بالتواصل بين المشاهد والشخصيات، واستخدم الكاميرا المحمولة في بعض المشاهد، ما أضفى لمسة واقعية وكأن الجمهور يراقب الشخصيات عن قرب.

الإيقاع كان هادئًا ومتدرجًا، حيث بدأ الفيلم بوتيرة بطيئة تعكس حالة التأمل والاشتياق، ثم تصاعدت الأحداث بشكل طبيعي مع تطور العلاقة بين الشخصيتين، وأعطى مساحة للصمت في عدة مشاهد ليترك فرصة التأمل للمشاهدين واستشعار مشاعر الشخصيات دون الحاجة إلى حوارات زائدة، كما تم توظيف الموسيقى بأسلوب ذكي، حيث ظهرت في اللحظات العاطفية لتعزيز التأثير الدرامي دون أن تطغى على الأداء، ونقلت حالات التوتر والحنين للماضي وتأثرهما بها في تعدد المواقف.

وجاء اختيار أماكن تصوير تعكس طبيعة العلاقة بين البطلين، فظهرت المشاهد في أماكن مألوفة مثل المقاهي والشوارع والمنازل، مما جعل القصة تبدو قريبة من الواقع، كما لعبت الإضاءة دورًا مهمًا في توجيه المشاعر، حيث استخدم الإضاءة الدافئة في لحظات الحنين والمشاعر الإيجابية، والإضاءة الباردة في المشاهد التي تعبر عن التوتر أو الضياع العاطفي أوالفراق.

اختيار الأزياء كان بسيطًا ومناسبا لطبيعة الشخصيات والقصة، ملابس يوسف عكست شخصيته كشاب يحمل مشاعر متضاربة بين الماضي والحاضر، بينما كانت ملابس عالية تميل إلى الطابع العملي والعصري، مما يعكس تطورها كشخصية ناضجة ومستقلة، لم يكن هناك مبالغة في التصميمات، مما جعل الأزياء تبدو طبيعية ومكملة للأحداث دون تشتيت الانتباه.

أداء أحمد مالك وآية سماحة في 6 أيام كان من أبرز عناصر قوة الفيلم، حيث قدما تجسيدًا صادقًا ومؤثرًا لشخصيتي يوسف وعالية، مما جعل العلاقة بينهما تبدو طبيعية ومقنعة للمشاهدين، حيث تمكن مالك من تقديم شخصية الشاب الذي يحمل في داخله مزيجًا من الحنين والبحث عن الذات والندم، اعتمد في أدائه على تعابير الوجه ولغة الجسد، مما أضفى واقعية على الشخصية، خاصة في لحظات التوتر أو الاشتياق لعالية، كانت مشاهده التي تعكس صراعاته الداخلية قوية، حيث تمكن من إظهار التحولات النفسية بسلاسة دون مبالغة .

آية سماحة أظهرت نضجا في أداءها يؤكد مهارة رسم شخصيتها على الورق، وإلتزامها بتعليمات المخرج بالإضافة إلى الكيمياء الخاصة التي اتسمت بها علاقتها مع أحمد مالك، وعزز أداءها لشخصية “عالية” مكانتها التي أصبحت جديرة بها، حيث قدمت أداءً عاطفيًا متزنًا من خلال دور فتاة نضجت بمرور الوقت، تحمل مشاعر غير محسومة تجاه يوسف، نجحت في إبراز القوة والضعف في آنٍ واحد، مما جعل شخصيتها أكثر عمقًا وإنسانية.

الكيمياء بين أحمد مالك وآية سماحة كانت واضحة جدًا على الشاشة، وساهمت في جعل المشاهد العاطفية صادقة وغير مصطنعة، تميزت لحظات الصمت بينهما بنفس قوة الحوارات، وتعد مشاهد المكاشفة والاعتراف بطبيعة علاقتهما المكنونة داخلهما ماستر سين “Master seen”، حينما أبلغته بطلاقها وبحثها عنه بعد أن حظر عليها الاتصال به ثم احتضانه لها دون كلمة، ليصله اتصال من زوجته ينهي الحوار بدموع منهمرة، وآخر قبل مشهد النهاية في اتصال تليفوني يقرران عدم معاندة القدر والاستسلام للوافع، فإذا بهما يلتقيان مجددا دون موعد، حيث عبر كل منهما عن مشاعره بأسلوب بسيط لكنه معبر، ويعد أداء الثنائي في أفضل حالاتهما، ما عزز مكانته كواحد من أهم الأفلام الرومانسية المصرية في الفترة الأخيرة.

فيلم 6 أيام اعتمد بشكل كبير على الحوار كأداة رئيسية في السرد والتطور الدرامي، نظرًا لطبيعته الرومانسية والدرامية، فإن التركيز كان على التفاعل بين الشخصيتين الرئيسيتين، يوسف وعالية، حيث تجسد الحوارات بينهما رحلة استرجاع الذكريات ومواجهة الماضي ومحاولة فهم الحاضر، إلى جانب كشف تطور الشخصيات وتوضيح الصراعات الداخلية التي يمر بها كل منهما، قد يرى البعض أن اعتماد الفيلم على الحوار بشكل كبير أبطأ إيقاعه في بعض المشاهد، خصوصًا لمن يفضلون السرد البصري أو الأحداث المتسارعة، إلا أن المنتج النهائي خرج مشدودًا دون الشعور بالملل .