
ـ أول عمل طويل للمخرجة الفرنسية فلور فورتونيه
ـ بطلته أليسيا فيكاندر تقدم واحداً من أفضل أدوارها
ـ عُرض للمرة الأولى في «تورنتو السينمائي الـ 49»
ـ أسامة عسل دبي
«التقييم ـThe Assessment » عمل جديد من أفلام الخيال العلمي، تدور أحداثه في مستقبل بائس يقترب فيه البشر من تدمير كوكب الأرض، وهو أول فيلم طويل لمخرجته الفرنسية فلور فورتونيه، عُرض للمرة الأولى في مهرجان تورنتو السينمائي الدولي الـ 49.
يبدأ الفيلم بلقطة تم تصويرها من طائرة بدون طيار في الأعلى، تسبح فتاة صغيرة في البحر الأزرق العميق. ومن بعيد، تلوّح لها والدتها وهي تقف فوق الصخور البعيدة وتنادي عليها – تبدأ الفتاة بالسباحة بشكل محموم، وتخفض رأسها إلى الأسفل، وعندما تخرج، تصبح فجأة شابة كبيرة (إليزابيث أولسن)، تطل برأسها فوق سطح الماء. وتنطلق نحو منزلها عبر منظر طبيعي قاحل وبني اللون وبلا حياة، حيث يستقبلها مساعد صوت بلا جسد.
في سيناريو العمل الذي قدمه (فريق الكتابة المكون من نيل غارفاث كوكس، وديف توماس، وجون دونيلي) لا نعود أبدًا إلى جاذبية هذه الافتتاحية الغامضة، لكنها تلقي بظلالها على كل الأحداث طوال الفيلم.
في العالم البائس داخل فيلم «التقييم»، لا أحد مستعد لأن يكون أباً أو أماً، وهذا أمر لا يقلق الكثيرين، فقد تم حظر الإنجاب على الجميع باستثناء قلة مختارة ممن يجتازون عملية اختبار صارمة.
وعلى أرض المستقبل التي دمرها التغير المناخي، هناك حدود تفصل بين «العالم القديم» حيث التلوث وارتفاع درجات الحرارة وتحلل النظام البيئي الذي يجعل البقاء على قيد الحياة شبه مستحيل، و«العالم الجديد» الذي يحاول حماية ما تبقى من موارد الأرض المتناقصة بالفعل.
ونظراً لأن ولادة الأطفال ستؤثر على استهلاك هذه الموارد، يخضع سكان العالم الجديد فقط عند الرغبة في الإنجاب للتقييم، ويمكن لأفراد العالم القديم أن ينجبوا كما يحلو لهم، لأنه من غير المرجح أن ينجو نسلهم على الإطلاق.
في العالم الجديد يسكنون داخل مبنى خرساني كبير وسط المجهول، حيث تعيش ميا (إليزابيث أولسن) وأريان (هيمش باتيل)، وهما مواطنان نموذجان يساعدان المجتمع على تحقيق مستقبل مستدام، وليس الجميع محظوظين بهذا القدر؛ فقد أُعيدت والدة ميا إلى العالم القديم منذ سنوات لمعارضتها نظام السيطرة على الموارد والسكان.
ميا عالمة نباتات عبقرية تزرع جميع أنواع المحاصيل، وأريان يصنع حيوانات أليفة رقمية؛ حيث تم حظر الحيوانات الأليفة الحقيقية المستأنسة، وقد أبليا بلاءً حسناً، فهما محميّان بواسطة نوع من حقول القوة الجوية مع مساعد ذكاء اصطناعي يوصل لهما الفيتامينات وينظم مستويات الإشعاع، ولكن هناك شيء واحد مفقود عدم الإنجاب ووجود أولاد، وللحصول على ذلك، عليهم فقط أن يجتازوا التقييم، وهي عملية تستغرق سبعة أيام بمنهجيات ومعايير غير واضحة، تتضمن إقامة مندوبة الحكومة فيرجينيا (أليسيا فيكاندر) في منزلهم.
تصبح الأمور غريبة للغاية بسرعة كبيرة، وتتنقل «فيكاندر» المقيّمة الغامضة بين الاستجوابات الرسمية ولعب دور الطفل غير المتوقع، فتصرخ في المنزل وترمي الطعام على الوالدين المحتملين لمعرفة قدراتهما.
من الواضح أن السويدية تستمتع بهذا الدور، حيث تتجلى سلطة شخصيتها على الزوجين باعتبارها صاحبة القرار في تحديد مصيرهما والشفقة المتأصلة في المهمة التي تقوم بها من خلال نظراتها المثيرة الباردة.
وبالمقابل، باتيل قوي في دور المهندس المهووس بالتكنولوجيا؛ حيث يشك المشاهد أنه من خلال إبداعاته لديه بالفعل الطفل الوحيد الذي يحتاجه، لكن أولسن هي البطل الحقيقي، حيث يقدم ماضي «ميا» المضطرب ورغبتها في الحياة المثالية ما يؤكد عزمها على الإنجاب مهما كانت ممارسات التقييم.
وكلما اقترب التقييم من نهايته، كلما عملت فيرجينيا على تعذيب الزوجين نفسيًا، ويجلب التقييم والحق في إنجاب طفل نصيبه العادل من الأسئلة والتوتر.
وبالمثل تم تصوير عالم الفيلم بشكل رائع، حيث توفر المؤثرات البصرية والأزياء وتصميم الديكور تفاصيل دقيقة تطلعنا على نوع المستقبل الذي تكشّف. أما المنزل الذي يمثل نقطة محورية في العمل، فهو أكثر العناصر البصرية إثارة للإعجاب من خلال تصميم يمزج بين بساطة وادي السيليكون المعاصر مع كتل زجاجية من الثمانينيات ومربعات ملونة لافتة للنظر.
ويبرز التصوير السينمائي لماغنوس نوردنهوف يونك، ألوان الأزياء والديكور مع جعلها باهتة بما يكفي للشعور بالابتعاد والبرودة، ويتناقض لون الداخل مع ضوء الشمس الزاهي وزرقة المحيط الصافية التي تقع خارج المنزل مباشرة.
فيلم التقييم مدروس ومقنع، لكنه أحياناً لا يصل إلى المستويات المطلوبة للحفاظ على زخمه.
هذا النقص في الاستكشاف لا يؤثر على الأداء. لقد كانت أولسن تقوم ببعض الاختيارات الرائعة، وهنا لا يختلف الأمر، لأن ميا مسكونة برحيل والدتها إلى العالم القديم ولا تبدو مستقرة تمامًا في حياتها، وهو أمر يبرزه التقييم، وتصور أولسن شخصية ميا بنفاد صبر محبط مع جانب من الحنان غير المتوقع.
أما أريان الذي يجسده باتيل فهو منعزل، وغالبًا ما يختفي في مختبر المحاكاة الخاص به ليصنع أشياء تكاد تكون حقيقية ولكنها ليست كذلك. وهو يمر بالكثير أيضًا، لكنه أكثر صبرًا وقناعة بالعيش في عالم من صنعه.
فيكاندر هي أبرز ما يميز الفيلم. فهي مضطربة تمامًا في دور فيرجينيا، وتتأرجح بين السلوكيات غير المريحة ونوبات الغضب الجامحة إلى اللياقة المؤسسية المستقيمة في غضون دقائق.
قد يكون للفيلم عيوبه، لكنه لا يزال اجترارًا مدروسًا حول الإنسانية والرغبة في تجاهل الواقع وما الناس مستعدون للتخلي عنه – بما في ذلك كرامتهم – للحصول على ما يريدون رغم فقدانهم لحرياتهم، كما يؤكد تمتع مخرجته فلور فورتونيه بفهم جيد لهذا العالم، حتى لو لم تغامر أكثر من اللازم، لكنه يبقى عملاً سينمائياً ممتعاً ومهماً ومثيراً للتفكير.
شروح صور:
1 ـ ميا (إليزابيث أولسن) تتعرض لتقييم فيرجينيا (أليسيا فيكاندر)
2 ـ أليسيا فيكاندر خلال عرض الفيلم في تورنتو السينمائي
3 ـ ميا عالمة نباتات عبقرية تزرع جميع أنواع المحاصيل
4 ـ مخرجة الفيلم فلور فورتونيه مع ابطاله هيمش باتيل وإليزابيث أولسن وأليسيا فيكاندر
5 ـ أرض المستقبل بعيدأ عن العالم القديم الذي دمره التغير المناخي
6 ـ ميا مسكونة برحيل والدتها ورغبتها في إنجاب طفل
7 ـ أليسيا فيكاندر أجادت في شخصية فيرجينيا مندوبة الحكومة
8 ـ لقطة تبرز جمال التصوير السينمائي لمشاهد العمل
9 ـ ملصق الفيلم